الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)
{لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} أي تستدفئون بالنار {فَلَمَّا أتاها} أي: أتى النار التي أبصرها، وقيل: أتى الشجرة، والأوّل أولى لعدم تقدّم الذكر للشجرة {نُودِيَ مِن شَاطِيء الواد الأيمن}: {من} لابتداء الغاية، و{الأيمن} صفة للشاطئ، وهو من اليمن وهو البركة، أو من جهة اليمين المقابل لليسار بالنسبة إلى موسى، أي الذي يلي يمينه دون يساره، وشاطئ الوادي: طرفه. وكذا شطه. قال الراغب: وجمع الشاطئ أشطاء، وقوله: {فِي البقعة المباركة} متعلق ب {نودي} أو بمحذوف على أنه حال من الشاطئ، و{مِنَ الشجرة} بدل اشتمال من شاطئ الواد؛ لأن الشجرة كانت نابتة على الشاطئ.وقال الجوهري: يقول: شاطئ الأودية ولا يجمع. قرأ الجمهور: {في البقعة} بضم الباء، وقرأ أبو سلمة والأشهب العقيلي بفتحها، وهي لغة حكاها أبو زيد {أَن ياموسى إِنّي أَنَا الله}: {أن} هي المفسرة، ويجوز أن تكون هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، وجملة النداء مفسرة له، والأوّل أولى. قرأ الجمهور بكسر همزة {إني} على إضمار القول أو على تضمين النداء معناه. وقرئ بالفتح، وهي قراءة ضعيفة.وقوله: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} معطوف على {أَن ياموسى} وقد تقدّم تفسير هذا وما بعده في طه والنمل، وفي الكلام حذف، والتقدير: فألقاها فصارت ثعباناً فاهتزت {فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ} في سرعة حركتها مع عظم جسمها {ولى مُدْبِراً} أي منهزماً، وانتصاب {مدبراً} على الحال وقوله: {وَلَمْ يُعَقّبْ} في محل نصب أيضاً على الحال أي لم يرجع {ياموسى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمنين} قد تقدّم تفسير جميع ما ذكر هنا مستوفى فلا نعيده، وكذلك قوله: {اسلك يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوء واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} جناح الإنسان: عضده، ويقال لليد كلها: جناح، أي اضمم إليك يديك المبسوطتين؛ لتتقي بهما الحية كالخائف الفزع، وقد عبر عن هذا المعنى بثلاث عبارات: الأولى: {اسلك يدك في جيبك}.والثانية: {واضمم إليك جناحك}. والثالثة: {وأدخل يدك في جيبك}. ويجوز أن يراد بالضم التجلد والثبات عند انقلاب العصا ثعباناً. ومعنى {مِنَ الرهب}: من أجل الرهب، وهو الخوف. قرأ الجمهور: {الرهب} بفتح الراء والهاء، واختار هذه القراءة أبو عبيد، وأبو حاتم وقرأ حفص والسلمي وعيسى بن عمر وابن أبي إسحاق بفتح الراء وإسكان الهاء. وقرأ ابن عامر والكوفيون إلاّ حفصاً بضم الراء وإسكان الهاء.وقال الفراء: أراد بالجناح: عصاه، وقال بعض أهل المعاني: الرهب: الكمّ بلغة حمير وبني حنيفة. قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول لآخر: أعطني ما في رهبك، فسألته عن الرهب، فقال: الكم. فعلى هذا يكون اضمم إليك يدك وأخرجها من الكمّ {فَذَانِكَ} إشارة إلى العصا واليد {برهانان مِن رَّبّكَ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ} أي: حجتان نيرتان ودليلان واضحان، قرأ الجمهور: {فذانك} بتخفيف النون، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بتشديدها، قيل: والتشديد لغة قريش. وقرأ ابن مسعود وعيسى بن عمر وشبل وأبو نوفل بياء تحتية بعد نون مكسورة، والياء بدل من إحدى النونين، وهي لغة هذيل، وقيل: لغة تميم، وقوله: {مِن رَبّكَ} متعلق بمحذوف، أي كائنان منه، وكذلك قوله: {إلى فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ} متعلق بمحذوف، أي مرسلان، أو واصلان إليهم {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فاسقين}: متجاوزين الحدّ في الظلم، خارجين عن الطاعة أبلغ خروج، والجملة تعليل لما قبلها.وقد أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن أبي الهذيل عن عمر بن الخطاب في قوله: {تَمْشِي عَلَى استحياء} قال: جاءت مستترة بكمّ درعها على وجهها.وأخرجه ابن المنذر عن أبي الهذيل موقوفاً عليه.وأخرج ابن عساكر عن أبي حازم قال: لما دخل موسى على شعيب إذا هو بالعشاء، فقال له شعيب: كل، قال موسى: أعوذ بالله، قال: ولم؟ ألست بجائع؟ قال: بلى، ولكن أخاف أن يكون هذا عوضاً عما سقيت لهما، وأنا من أهل بيت لا نبيع شيئاً من عمل الآخرة بملء الأرض ذهباً، قال: لا والله، ولكنها عادتي وعادة آبائي، نقري الضيف ونطعم الطعام، فجلس موسى فأكل.وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك بن أنس أنه بلغه أن شعيباً هو الذي قصّ عليه القصص.وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال: كان صاحب موسى أثرون ابن أخي شعيب النبي.وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: الذي استأجر موسى يثربي صاحب مدين.وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عنه قال: كان اسم ختن موسى يثربي.وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال: يقول أناس: إنه شعيب، وليس بشعيب، ولكنه سيد الماء يومئذٍ.وأخرج ابن ماجه والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن عتبة بن المنذر السلمي قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ سورة: {طسم} حتى إذا بلغ قصة موسى قال: «إن موسى أجر نفسه ثماني سنين أو عشراً على عفة فرجه وطعام بطنه، فلما وفى الأجل» قيل: يا رسول الله، أيّ الأجلين قضى موسى؟ قال: «أبرّهما وأوفاهما، فلما أراد فراق شعيب أمر امرأته: أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به، فأعطاها ما ولدت غنمه» الحديث بطوله. وفي إسناده مسلمة بن علي الحسني الدمشقي البلاطي ضعفه الأئمة.وقد روي من وجه آخر، وفيه نظر. وإسناده عند ابن أبي حاتم هكذا: حدثنا أبو زرعة عن يحيى بن عبد الله بن بكير، حدّثني ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد الحضرمي عن علي بن رباح اللخمي قال: سمعت عتبة ابن المنذر السلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وابن لهيعة ضعيف، وينظر في بقية رجال السند.وأخرج ابن جرير عن أنس طرفاً منه موقوفاً عليه.وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة في المصنف، وعبد بن حميد والبخاري وابن المنذر وابن مردويه من طرق عن ابن عباس: أنه سئل: أيّ الأجلين قضى موسى؟ فقال: قضى أكثرهما وأطيبهما، إن رسول الله إذا قال فعل.وأخرج البزار وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه عنه نحوه، وقوله: «إن رسول الله إذا قال فعل» فيه نظر؛ فإن موسى لم يقل إنه سيقضي أكثر الأجلين بل قال: {أيما الأجلين قضيت فلا عدوان عليّ}.وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن موسى قضى أتمّ الأجلين من طرق.وأخرج الخطيب في تاريخه عن أبي ذرّ قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سئلت أي الأجلين قضى موسى؟ فقل: خيرهما وأبرهما، وإن سئلت أيّ المرأتين تزوّج؟ فقل الصغرى منهما، وهي التي جاءت فقالت: {يا أبت استأجره}».وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال لي جبريل: يا محمد إن سألك اليهود أيّ الأجلين قضى موسى؟ فقل: أوفاهما، وإن سألوك أيهما تزوّج؟ فقل: الصغرى منهما».وأخرج البزار وابن أبن حاتم، والطبراني في الأوسط، وابن مردويه. قال السيوطي: بسندٍ ضعيف، عن أبي ذرّ: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أيّ الأجلين قضى موسى؟ قال: «أبرّهما وأوفاهما»، قال: «وإن سئلت أيّ المرأتين تزوّج؟ فقل: الصغرى منهما».قال البزار: لا نعلم يروي عن أبي ذر إلاّ بهذا الإسناد، وقد رواه ابن أبي حاتم من حديث عويد بن أبي عمران، وهو ضعيف. وأما روايات أنه قضى أتمّ الأجلين فلها طرق يقوّي بعضها بعضاً.وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدّي قال: قال ابن عباس: لما قضى موسى الأجل سار بأهله، فضلّ الطريق، وكان في الشتاء فرفعت له نار، فلما رآها ظنّ أنها نار، وكانت من نور الله {فَقَالَ لأَهْلِهِ امكثوا إِنّي ءَانَسْتُ نَاراً لَّعَلّي آتِيكُمْ مّنْهَا بِخَبَرٍ} فإن لم أجد خبراً آتيكم بشهاب قبس {لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} من البرد.وأخرج ابن أبي حاتم عنه: {لعلي آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ} لعلي أجد من يدلني على الطريق، وكانوا قد ضلوا الطريق.وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: {أَوْ جَذْوَةٍ} قال: شهاب.وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: {نُودِيَ مِن شَاطِئ الواد} قال: كان النداء من السماء الدنيا، وظاهر القرآن يخالف ما قاله رضي الله عنه.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن عبد الله بن مسعود قال: ذكرت لي الشجرة التي أوى إليها موسى، فسرت إليها يومي وليلتي حتى صبحتها، فإذا هي سمرة خضراء ترف، فصليت على النبي صلى الله عليه وسلم وسلمت، فأهوى إليها بعيري وهو جائع، فأخذ منها ملء فيه فلاكه فلم يستطع أن يسيغه، فلفظه، فصليت على النبيّ وسلمت، ثم انصرفت.وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} قال: يدك.
|